كان لقرارات الإغلاق في أعقاب أزمة كورونا (كوفيد 19) وما يرتبط بها من تعطل الأعمال وقيود السفر وإغلاق المدارس وتدابير الاحتواء الأخرى للأزمة، آثار مفاجئة وجسيمة على العمال والمؤسّسات في إسرائيل، إذ بقي مئات الآلاف من العمال دون وظيفة أو تم إخراجهم لإجازة غير مدفوعة الثمن.
ويبقى سؤالنا هنا، ماذا عن المجتمع العربي؟ وهل هناك صورة واضحة لحجم الضرر الذي سبّبته الأزمة لأبناء المجتمع العربي؟
نحن في مراكز ريان هدفنا الأسمى هو تطوير ودمج أبناء المجتمع العربي في البلاد في مجال سوق العمل وتقديم جميع الادوات اللازمة لهم للتأهيل المهني. إذ أقيمت المراكز من داخل المجتمع العربي ومن أجله، بهدف تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية ولإتاحة الفرص والموارد. ممّا لا شكّ فيه، أن هذه الأزمة ألحقت الضرر بالعديد من أبناء المجتمع العربي، إلّا أن الصورة ما زالت غير واضحة تمامًا، ولا توجد معطيات كافية حول الحلول التي تقدّمها الدولة للمجتمع العربي خصّيصًا. هنا في هذا المقالة، حاولنا جمع بعض المعطيات لنعرضها لكم في محاولةٍ لتوضيح الصورة.
المواطنون العرب في إسرائيل معرّضون بشكل خاص لصعوبات وتحدّيات اقتصادية أكبر، حيث يتركّز معظمهم في قطاعات العمل التقليدية المعرّضة للانهيار والتعرّض لأضرار جسيمة بشكل خاص في أوقات الأزمات. القطاعات الرئيسيّة في أوساط الرجال العرب هي: الزراعة والبناء (25%)، والصناعات التقليديّة من دون الهايتك (13%) والمواصلات العامّة والتخزين (10%). وفي أوساط النساء فانّ القطاعات المركزيّة هي: التربية والتعليم (38%)، الصحة والرّفاه الاجتماعي (23%) والمبيعات (8%). عدا عن ذلك، فإن الأجور في هذا القطاعات هي أقل بكثير من معدّل الأجور في سوق العمل، لذلك، من المحتمل أن العديد من العمال العرب قد دخلوا الأزمة الحالية بحيث لا تتوفّر لديهم سوى موارد قليلة نسبيًا لمواجهتها – كالمدّخرات وبرامج التوفير الشهرية.
ومن الجدير بالذكر أنّ معدّل تشغيل النساء العربيّات امتاز عشيّة الأزمة بكونه متدنٍ جدًّا، بحيث بلغ عام 2019، 37.4%، مقابل 83.7% في أوساط النساء اليهوديات من غير الحريديات. كما أنّ معدّل التشغيل في أوساط الفئة المتقدّمة في السن من أبناء المجتمع العربي (55-64 عامًا)، بالذات النساء، هو أيضًا منخفض ويدل على التقاعد المبكّر أو عدم الانتساب بتاتًا للقوى العاملة على مدار العمر. وبلغ معدّل تشغيل الرجال العرب بجيل 55-64، 54.2% مقابل 78.7% في أوساط الرجال اليهود من غير الحريديم، و-13.4% في أوساط النساء العربيات بجيل 55-64، مقابل 67.3% في أوساط النساء اليهوديات من غير الحريديات.
ووفق المعطيات حول نسبة البطالة، هذا ما حدث في الأشهر الأخيرة: متوسّط الزيادة في معدّل البطالة لدى السكّان العرب في إسرائيل أعلى بنحو 25% من السكان اليهود. في الأشهر آذار- نيسان 2020، الشهرين الأولين لأزمة كورونا، تضرّر أبناء المجتمع العربي بشكل كبير في مجال التشغيل، بحيث تمّ إخراج نحو ثلث العمّال إلى إجازة غير مدفوعة أو تمّ فصلهم، نتيجة طبيعة عملهم. نحو 175,000 من مجمل الذين توجّهوا لمكاتب خدمات التشغيل في شهر آذار 2020 كانوا من المسلمين والمسيحيّين والدروز، وهم يشكّلون 32% من العمّال العرب في العام 2019، مقابل 23% من غير العرب.
العمّال الذين فقدوا عملهم، بمعظمهم، يتقاضون أدنى درجات الأجر في الجهاز الاقتصادي.
لطالما كان الوضع الإقتصادي للمجتمع العربي أدنى من بقيّة السكّان في إسرائيل. إذ فشل النموّ والازدهار الاقتصادي، لسنوات عديدة، في سدّ الفجوات في المستوى المعيشي بين العرب واليهود. ويرجع ذلك إلى وجود حواجز بنيويّة في الاقتصاد الإسرائيلي، نابعة من السياسات الحكومية التمييزيّة في جميع مناحي الحياة: التعليم، العمل والأجور، الصحّة، التخطيط والبناء وغيرها. ومثل بقيّة دول العالم، أثّرت أزمة كورونا في إسرائيل بشدّة على الطبقات الأضعف – وبشكل أكثر تحديدًا، أولئك الذين ليس لديهم تأثير على صنع القرارات المصيرية. لذلك، فإن الأضرار التي ستلحقها هذه الأزمة بالمجتمع العربي في اسرائيل ستكون كبيرة بشكل خاص وستستغرق وقتًا طويلًا للتعافي منها.
بالرغم من أن الصورة صعبة وقد تبدو غير مبشّرة بالخير، نحن في مراكز ريان مستمرّون في مسيرتنا، إذ أقيمت مراكزنا من داخل المجتمع العربي ومن أجله، وسنعمل بشتّى الوسائل والأدوات لتأهيل أبناء مجتمعنا وتوفير فرص العمل في محاولة لاجتياز الأزمة بأقل ضرر ممكن.