دائمًا ما يتوقّع من النساء العاملات، خصوصًا إذا كانت زوجة أو أم، أن يبذلن جهدهنّ للموازنة بين المسؤوليات المختلفة التي تقع على عاتقهن وإعطاء كل جزء من المسؤوليات حقّه. وفي الحقيقة، تقوم النساء العاملات بشكل يومي، في مختلف المجتمعات ودول العالم، بعملِ رائع فيما يتعلّق بمجال موازنة المسؤوليات، وهناك عدد لا بأس به من النساء العاملات اللواتي يعرّضن أنفسهنّ للضغوطات الكبيرة من أجل الوصول إلى المعادلة السليمة.
قد يبدي البعض تخوّفًا بالغًا من قدرة المرأة العاملة، وخصوصّا الأم العاملة، على إحداث التوازن بين عملها، حياتها الأسرية، الزوجيّة وحتى الشخصيّة. إلّا أنّ العديد من الدراسات والبحوث تُشير إلى أن النساء العاملات هنّ الأكثر سعادة في حيّاتهنّ، وأرجعت الدراسات أسباب ذلك إلى أن تحقيق الإنجازات بالعمل، يخلق لدى المرأة حالة من الرضا النفسي والسعادة التي تعود بها إلى المنزل، الأمر الذي يؤثّر إيجابًا على أسرتها وأبناءها ويجلب السعادة والنجاح لهم أيضًا.
إن هذا التخوّف من قدرة المرأة العاملة على الوصول للتوازن، نابع من الاعتقاد السائد في الكثير من المجتمعات، وفي مختلف البلدان والثقافات بأن المرأة هي المسؤولة الرئيسيّة عن تربية الأبناء ورعايتهم وكذلك المسؤولة الرئيسية، ولربما الوحيدة أيضًا، عن رعاية المنزل الأمر الذي يسبّب لها ضغوطات لا تنتهي، إذ ان متطلبات العمل والوظيفة خارج المنزل كثيرة تماما كما مسؤوليات العناية بالأسرة، التي لا تنتهي أيضًا، وكما تقول معظم النساء من حولنا: "العمر بخلص، وشغل البيت ما بخلص".
بالإضافة إلى دور المؤسّسات التربوية، وغيرها من المؤسّسات، من أجل العمل على تغيير هذا التصوّر السائد، الذي يضع المرأة على رأس المسؤولية للعناية بالأطفال وشؤون المنزل، وإشراك الرجل من خلال تفعيل دوره كأب، شريك حياة ومسؤول عن العناية بأطفاله واحتياجاتهم، علينا التوقّف أيضًا لنتأمّل كيف تبدو حياة هؤلاء النساء ونكشف سرّ التوازن بين الأدوار المختلفة وسط حياةٍ مليئة بالمشاغل.
نحن في مراكز ريان، ندرك ونعرف مدى الضغوطات التي تتعرّضَ لها المرأة العاملة، والام على وجه التحديد، لذلك، قرّرنا في هذه المقالة أن نعرض حلولًا وأفكارًا عملية، مشتركة ومجرّبة لدى النساء العاملات تجعل حياتهنّ أسهل وأكثر تنظيمًا، وتحطّم الصور النمطيّة الموجودة عن الامّ العاملة بإنها غير قادرة على الموازنة بين المسؤوليات التي تقع على عاتقها. إليك بعض الأفكار:
1. توزيع المهام على أيّام الأسبوع
إنّ توزيع المهام الكبيرة على مدار أيّام الأسبوع، ستساعدك جيّدا على إنجازها بفاعلية ونجاعة. لا داعٍ لإرهاق نفسك من خلال القيام بالعديد من المهام كلّ يوم، حتّى لو شعرت أنك قادرة على قيامها، فذلك سيؤثّر حتمًا على صحّتك، بالطبع هنالك مهام بيتيّة يوميّة لا مفرّ منها، لكن بإمكانك توزيع بعض المهام الكبيرة مثل غسيل الملابس، مسح الأرضيات وغيرها لتكون خلال يوم أو يومين في الأسبوع. تذكّري أيضًا أنه بإمكانك الاستعانة بالأجهزة المنزلية الذكيّة التي توفّر لك الوقت والمجهود.
2. تنظيم وترتيب الوقت
إنّ التنظيم، عمومًا، هو أحد مفاتيح النجاح في أي مجال. إلّا أن النساء العاملات تحتاجه نظرًا لكثرة المهام والمسؤوليات التي تقع على عاتقهن وذلك لتوزيع المهام بفاعلية ونجاح. هنالك عدّة وسائل من شأنها أن تساعد النساء العاملات على تنظيم المهام، كالاستعانة بمفكّرة لتدوين المهام، الأفكار والمواعيد المختلفة لك ولأسرتك، سيساعدك التدوين على تذكّر ما عليكِ القيام به، والتخطيط له مسبقًا وبشكل صحيح لتتفادي المباغتة والفوضى.
3. لا تتردّدي في طلب المساعدة!
تذكّري دومًا أن طلب المساعدة هو أمر طبيعي، ولا تثقلي على نفسك وتتحمّلي أكثر من طاقتك كالنساء في أساطير "سوبر ماما"، وحتّى ان شعرت بأنّك قادرة على القيام بالعديد من المهام، سيؤثّر هذا الإجهاد الجسدي والنفسي على صحّتك مع مرور الوقت. استعيني بالأصدقاء، الأقارب، العائلة أو استعيني بعاملة منزلية إن أمكن ذلك. إن كنتِ ممّن لا يفضّلون طلب المساعدة من شخص غريب، تذكّري أن لديك شريك حياة، وبإمكانك طلب المساعدة منه، فذلك سيوفّر عليك الكثير من الجهد، الوقت والمصروف. أن قيام شريكك في أعمال المنزل سيعزز من روابط الشراكة والتعاون بينكما، كذلك تشجيع الأطفال على المشاركة في أعمال المنزل سيساعد في تخفيف الأعباء عنكِ وفي تعزيز المسؤولية لديهم، الانتماء الأسري، والاستقلالية فيما بعد.
4. خصّصي وقتًا خاصّا لكِ ولأطفالك فقط
احرصي على قضاء وقتًا خاصًا للحديث مع أطفالك، المرح واللعب معهم، ذلك لا يقلّ أهميّة عن تحضير الوجبات الصحيّة، إيصالهم للمدرسة ومساعدتهم على اداء واجباتهم المنزلية، إذ أن تربية الأطفال لا تقتصر على الطعام، الملابس والدراسة. الحديث مع طفلك، الاستماع له، ومشاركته لتفاصيل يومه له فوائد عديدة: يعزّز من العلاقة العاطفية بينكما، يشجّع الطفل على التعبير وبالطبع يعزّز من شعوره بالأمان. يمكنك أنت أيضا ان تخبريه بتفاصيل يومك والحديث معه حول أي موضوع يثير اهتمامه. أخبريه دومًا بأنك تحبّينه، وانشغالك عنه يكون بسبب عملك لا بسبب رغبتك.
من المهم الإشارة إلى أنّ الأمّهات العاملات كثيرًا ما تقع في فخّ "الشعور بالذنب" بسبب انشغالها وابتعادها عن بيتها وأطفالها، فتقوم بتدليل أطفالها وغضّ البصرعن سلوكيّاتهم السلبية وغير المستحبّة وكثيرًا ما تقوم بتعويض وقت غيابها عنهم من خلال شراء الهدايا والحلويات. من الممكن أن تمنح هذه الأفعال للأم قدرًا جيّدًا من الشعور بالرضا والسعادة، إلّا أنها بالطبع ذات تأثير سلبي على المدى البعيد، إذ أنّ هذه السلوكيات من شأنها تحويل العلاقة بين الأم وأطفالها إلى علاقة مادّية بحت، بعيدة عن العواطف. لا تدعي هذا الشعور يسيطر على علاقتك بأطفالك، كوني حنونة ورؤوفة وصارمة حين يستوجب الأمر، الموازنة هي خير الأمور.
5. جدّدي علاقتك الزوجية بانتظام
قد تتأثّر كثيرًا العلاقة الزوجية عندما تخرج المرأة للعمل. إذ أن المرأة العاملة كثيرة المشاغل والمسؤوليّات. وفي الكثير من الأحيان يقل الوقت الذي يقضيانه الزوجان معًا ويصل إلى أسفل سلّم الأولويات بعد العمل، رعاية البيت والأطفال. ولكن في الحقيقة، إن الاهتمام بتجديد العلاقة الزوجية باستمرار هي من أهمّ الأشياء التي عليكِ الاستثمار بها ومن المهم أن تحرصي على التواصل مع شريكك بشكل مستمر من خلال بعض الأشياء الصغيرة ذات التأثير الإيجابي ومنها: المواظبة على إرسال رسائل قصيرة لطيفة، الحرص على تناول وجبة واحدة على الأقل سويًا، تخصيص وقت – ولو كان قصيرًا – تجلسان بهدوء على شرفة المنزل أو على البلكونة ليبقى التواصل بينكما حيًّا. من المهم أيضًا أن تحرصا على تخصيص يوم في الشهر لتخرجون وتقضون وقتًا ممتعًا - تعرف جيدا الأم العاملة كيف تمضي الإجازات السعيدة لأنها بحاجة إليها أيضا تماما كشريكها وأسرتها، لذا تتفنن وتبدع في تنظيم الرحلات والمفاجآت والذهاب إلى أماكن جديدة وغير روتينية، مما يزيد شعور الراحة والسعادة الزوجيّة
6. أخيرًا وليس آخرًا: خصّصي وقتًا لنفسك!
تذكّري دائمًا أنّك الشخص الأهم في هذه المعادلة، لذلك احرصي على مراعاة نفسك وصحتك والعناية بها جيّدًا، واشحني طاقتك باستمرار كي تقومي بأداء أدوارك المتعدّدة بنجاح والوصول للموازنة المرجوّة – إذ أن سرّ النجاح هو مراعاة النفس! لا تنسي نفسك ولا تهمليها بين كل هذه المشاغل التي لا تنتهي، خصّصي وقتًا لممارسة الرياضة، اخرجي مع صديقاتك، اقرأي كتبك المفضّلة، شاركي بندوات لمواضيع تثير اهتمامك، شاهدي أفلامك ومسلسلاتك التي تحبينها، اشربي شرابك المفضّل بهدوء ولا تتردّدي من أن تدلّلي نفسك بجلسة مساج أو زيارة صالون التجميل!